ثريا الشاوي أصغر وأول ربان طائرة في المغرب وافريقيا والعالم العربي
|
ثريا الشاوي أول ربان طائرة في المغرب وافريقيا والعالم العربي |
قصة حياة أول قائدة طيارة ثريا الشاوي
ثريا الشاوي أديبة
وممثلة وربان طائرة ولدت في 14 ديسمبر سنة 1936 بمدينة فاس، في وسط عائلي مشبع بالثقافة
والدها الفنان والممثل عبد الواحد الشاوي، رائد من رواد المسرح آنذاك، عاش بمدينة
فيشي بفرنسا.
نشأت في جو يزخر
بالمعرفة وبين دفتي طفولتها التشجيع والثقة بالنفس، إذا كانت البنات في مثل عمرها
يلعبن بالدمى، فقد اختارت لنفسها طريقا آخر أن تلعب بالألعاب الميكانيكية
كالطائرات والشاحنات البلاستيكية والسيارات... ولطالما أعجبت بالطيارات وهي تحلق
في السماء و تمر من فوق منزلها.
حين كان عمرها 3 سنوات ألم بها مرض الصدر قاسا والديها
في إيجاد العلاج لها، إلى أن نصحهم الأطباء بضرورة أخذها إلى مطار المدينة لتقوم
بجولة في طيارة لعلها تستنشق نسيم الأجواء النقية وتتحسن وضعيتها الصحية المتأزمة،
نجح والدها في العثور على طيار اقترح له مصابه فوافق في الحال، وهنا كان أول صعود
لثريا في الأفق وبالتالي البلسم الشافي من مرضها العضال.
درست ثريا النحو
والفقه والتاريخ، وكانت من الفتيات النابغات التي عرف لها بالفطنة والذكاء، شاركت
والدها في التمثيل وقامت بدور سينمائي في فيلم" البوابة السابعة" « la septième porte »وكان عمرها آنذاك لا يتجاوز 13سنة اي سنة 1943.
اهتمت بالأدب وكانت
فتاة استثنائية حيث كانت تكتب القصة القصيرة والشعر، وقد حازت على عدة جوائز،
لتنطلق بعد ذلك محلقة في سماء الطيران، كان هذا حلمها الذي كان صعب التحقيق إلا أن
والدها لم يرفض لها طلبا وشجعها بالتسجيل في مدرسة "طيط مليل" للطيران،
وكان بمثابة تحدي سافر للاستعمار الفرنسي الاسباني ، ويعتبر تسجيل فتاة مغربية في
ذلك الوقت خرقا للقوانين، لا يعقل أن تكون أنثى في ميدان يقتصر على الذكور من جهة،
وان تتسجل فتاة في موطن مستعمر الى جانب أبناءهم من جهة أخرى حيث كانت نظرة
احتقار وازدراء في وسط النخبة الأوروبية،
لكن التحدي بالمثابرة أرغمهم في النهاية للرضوخ وقبولها بينهم بدعم وحماية أستاذها
الإسباني.
|
ثريا الشاوي المناضلة والقائدة والأديبة والممثلة |
عن عمر 15 سنة
حلقت ثريا الشاوي"Touria chaoui" في الجو وأعلنت للجميع كفاءتها وقدرتها على التحدي والصعود إلى
السماء، استطاعت أن تتوفق على زملائها وأن لا تضيع تضحيات والديها اللذان عملا كل
ما في جهدهما لإرضاء طموح ثريا سواء المادية وحتى المعنوية، فقد رحلوا من منطقتهم
حتى يقربوها من المدرسة خوفا من متاعب التنقل وفروا لها كل ظروف النجاح.
يوم تتويج أصغر ربان طائرة مغربية ثريا الشاوي
حان وقت الامتحان فكان
يوما صعبا، حيث الأحوال الجوية سيئة جدا لكن أرغمت على اجتياز الاختبار وارتفعت
بالطائرة حوالي 3000 متر على طول 40 كيلو مترا، قدمت عرضا أبهر الأساتذة والقيمين
على المباراة، لم يخفها اضطراب الجو ولم يرعبها هول الامتحان، بقدر ما كانت
مستمتعة باللحظة التي طالما حلمت بها وهي أن تزهو كالفراشة بأجنحة طيارة فوق
السماء، تحت أنظار المراقبين و بتصفيقات الجميع، توجت أمام لجنة الإمتحان ونالت
بذلك شهادة الكفاءة والاستحقاق بامتياز، لقيادة الطائرة كأول ربان امرأة، على
الصعيد الإفريقي والعالم العربي.
وفي مذكراتها كتبت
عن هذا التتويج في رسالة لوالدها حين قالت : " لقد عشت
يا أبي أسعد لحظة في حياتي ، حين كنت ممسكة بزمام الطائرة، فما كنت مضطربة، أو
خائفة من الرسوب بل كنت متيقنة من فوزي التام. لم أر إلا ضبابا في ضباب، ولكني كنت
حذرة أشد الحذر على الاحتفاظ بتوازن الطائرة، وعدم الخروج من إطار ما حدوده لي،
فكنت أحسب نفسي كطائر أشارك الطيور في فضائها و أستمتع بالحرية الكاملة، وحيدة
يؤنسني صوت محرك طائرتي و تقودني معرفتي ومعلوماتي ". أقام النادي للأجنحة
حفلا على شرفها تتويجا لما حققته من إنجاز، وانهالت عليها برقيات التهاني من ملوك
وشخصيات عالمية.
هذا النجاح لم يكن
ليمر مر الكرام، بل داع صيته في الصحف العالمية وتصدر العناوين الوطنية والدولية،
باستغراب تساءل الجميع أن تحصل فتاة صغيرة بهذا العمر على كفاءة قيادة الطائرة
وخاصة اذا كانت افريقية مغربية عربية !! وقد حكى اخوها صلاح الدين الشاوي حادثا سنة 1953 حين كانوا في اسبانيا فلاحظ أحد
أعضاء طاقم الطائرة فتاة صغيرة ترتدي لباس ربان الطائرة مدني مع شارة للطيران
المغربي، فاقترب منها ليسألها هل هي ربان طائرة أم مجرد طفلة تعشق لباس الربابنة؟
فتفاجأ واندهش حين قادت الطائرة بعد أن اعطاها التحكم في زمام الأمور، وعند الوصول
أخبر ربان الطائرة الركاب أن الصغيرة من تولت القيادة، فكان الرد بتصفيقاتهم وصفير
التشجيع والثناء.
ولقد ساهمت ثريا
الشاوي في العمل الجمعوي من خلال تأسيسها لجمعية اسمها "أخوات الإحسان"،
وعملها سفيرة للقضية النسائية داخل مؤسسة للا أمينة، كما قامت بدعم على تحرير
النساء، كما أن لها عدة مواقف وطنية كمناضلة ضد المستعمر مطالبة عودة محمد الخامس
من منفى.
عند عودة الملك
محمد الخامس من المنفى كان ترحيبها بشكل مختلف حيث عمت الفرحة كل أرجاء المملكة،
وانطلقت الاحتفالات بكل زاوية من البلاد وكل ركن من أركان الوطن، وعبرت بفرحتها
حين حلقت بطائرتها فوق سماء الرباط ترمي منشورات الفرحة الملونة دون أن ترتدي بذلة
الطيار احترازا من برودة الطقس وتلوح بيديها من نافذة الطائرة المفتوحة. لم تمر
تلك الفرحة بسلام حين اصيبت بنزلة برد قوية، تجدد على إثرها مرض الصدر، حُملت
للمستشفى بالدار البيضاء لإجراء فحوصات طبية فكانت النتيجة محزنة، تكفل بها آنذاك
الملك محمد الخامس بإرسالها إلى سويسرا من أجل العلاج، ظلت هناك حوالي 6 أشهر
تتعافى قبل عودتها لأرض الوطن.
|
قصة اغتيال أصغر ربان طائرة في المغرب ثريا الشاوي |
قصة اغتيال أصغر ربان طائرة في المغرب ثريا الشاوي
تعرضت ثريا الشاوي
إلى أربعة محاولات اغتيال بين سنتي 1954و1955م، هذه المؤامرة الدنيئة جعلت علال
الفاسي يتدخل لينصح أباها بالرحيل من المغرب للنجاة بابنته ثريا، إلا أنه لم يهتم
للموضوع.
ففي المحاولة
الاغتيال الأولى وضعت مجموعة فرنسية قنبلة بباب الفيلا التي تسكنها، انفجرت وتركت
خسائر مادية بالمكان دون إصابة أحد.
في محاولة
الاغتيال الثانية أطلقت ثمانية رصاصات عليها وعلى والدها نجا الإثنين بأعجوبة.
المحاولة الثالثة
حاول قام شرطيان بإطلاق عليها وعلى أبيها الرصاص وهما في السيارة، أنقذهما القدر وأفلتا إثنيهما.
المحاولة الرابعة
عندما اتهمها الشرطيين بعدم احترام قانون السير وطلبا منها أن تحملهما إلى مكان ما،
فرفضت وصرخت ثريا الشاوي بأعلى صوتها حتى تجمهر الناس حولهم، حينها تسللا الشرطيان
بعد أن أخليا سبيلها.
أما المحاولة
الخامسة والأخيرة في فاتح مارس سنة 1956م يوم قبل إعلان المغرب عن الاستقلال عن الحماية
الفرنسية، نظمت مؤسسة للاأمينة احتفالا بمناسبة عيد الاستقلال، فكانت ثريا الشاوي
من المدعوين لهذا الحفل البهيج، في طريقها استقلت سيارتها كالعادة وكان معها هذه
المرة رفقتها الأخ الأصغر صلاح الدين، وحين انتهى الاحتفال البهيج ركنت السيارة
على بعد خطوات من البيت، حيث كانت أمهما تنتظرهما في الشرفة رفعت يدها في اتجاه
والدتها لتحييها، فجأة يباغثها أحدهم من الخلف ويقتنصها الغدر مفرغا رصاص مسدسه في
رأسها ليرديها جثة هامدة، ملطخة بالدماء وعمرها لا يتجاوز أنذاك 19 سنة.
يقول أخ ثريا صلاح
الدين الشاوي" ظننت أن أحدهم يمازحنا، فقد كنت صغيرا، وكان الجو العام تعمه
أفراح الاستقلال..لكني وعيت من خلال أمي الثكلى ونواحها أن الأمر كان حقيقة".
في الغذ صحى
المغاربة على فاجعة كبرى، جنازة حضرها 60 ألف شخص" شيعت شهيدة "الوطن في
جنازة مهيبة،قتلت في سن 19 سنة فقد فيها المغرب بنت في عمر الزهور حرم المغرب
آنذاك من كفاءتها ودورها الكبير على المستوى الوطني.
من وراء اغتيال ثريا الشاوي؟
بعد سنوات من مقتل
ثريا الشاوي، سيكشف لنا ضابط مخابرات مغربي أن مقتل ثريا الشاوي كان على يد شخص في
ميليشيا سرية كانت معروفة بتنفيذها لعمليات الاغتيال واسمه أحمد الطويل، رفضت ثريا الشاوي الزواج
منه.
لكن الحقيقة كما
أكدها الصحفي لحسن لعسيبي، أن الفاعل بغض النظر عن العشق، وثريا الشاوي رفضت عرض الزواج فتعرضت للتصفية الدموية ، فإن أحمد
الطويل أُمر للقيام بتصفيتها، نظرا لموقفها الوطني كامرأة لها شأن في البلاد
ومستقبل له رمزيته للمرأة المغربية
المتفوقة، وكذلك لعلاقتها مع الأسرة الملكية، والمسؤول الأول "فرنسا."
وتبقى ثريا الشاوي
شهيدة مغرب الاستقلال،وأول وأصغر ربانة وقائدة طيارة مغربية وعربية افريقية تتقلد بهذا
المنصب. تبصم بدمائها التاريخ مهما مر الزمن.