نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

الرسام الفرنسي ديلاكروا في المغرب مرحلة من المراحل التاريخية .

الرسام الفرنسي ديلاكروا معالم من تاريخ وفن

الفن هو الابداع البشري ضمن أشكال مرئية صنعها الإنسان بتركيز، يسرد لنا مرحلة من المراحل التاريخية وتسلسل زمني لحضارة سبقتنا سواء كانت هندسة معمارية أو نحت، رسم أو تصوير فوتوغرافي، أفلام .... 

 
I- دعم المغرب للمقاومة الجزائرية وتابعاتها بتوثيق بعض الأحداث الفنية مع الرسام ديلاكروا
 
ومن خلال هذا المقال سنتطرق لموضوع الرسام ديلاكروا الذي عاد الى المغرب بثقله الفني بعد قرنين من الزمن حين وثق لنا مجموعة من الأحداث التاريخية عبق أريجه بشذا لوحاته، و أثار بصمته التي رسخها في المغرب في ظل ظروف خاصة وفترة من الزمن، أعادت لنا الذاكرة التاريخية . 



الرسام الفرنسي أوجين ديلاكروا

1_ احتلال الجزائر ودعم المغرب للمقاومة


في عام 1830 احتلت فرنسا الجزائر، باستعمال حادثة المروحة كذريعة، لكن لم تحتلها بسهولة بل كانت هناك ثورات شعبية عديدة، في كل إقليم وقفت في وجهه و عرقلت تقدم الاحتلال منذ دخوله.

في عهد الملك لويس فيليب الجزائر أصبحت جزء لا يتجزأ عن الوطن الفرنسي، والتي كانت خاضعة قبل ذلك للسلطة العثمانية هذا التطور شكل اضطرابا وخطرا على المغرب باعتباره مجاورا للجزائر، فأرسل السلطان مولاي عبد الرحمان قواته إلى الجزائر.

لقد دعم المغرب المقاومة الجزائرية التي قادها الأمير مولاي عبد القادر الجزائري في عهد مولاي عبد الرحمن بن هشام. هذا ما جر المغرب إلى حرب قاسية، انتهت بانتصار الفرنسيين.

و السلطان عبد الرحمن بن هشام بن محمد بن مولاي عبد الله بن مولاي إسماعيل بن الشريف بن علي العلوي حكم المغرب (1822_1859 ) م. تقلد الحكم بعد وصية مولى سليمان يعهد فيها العرش لعبد الرحمان :



وقد بدأ الحكم مع بداية الاحتلال الفرنسي، وعرف السلطان بأنه قمع ثورات داخلية عدة، وكان من بين السلاطين الأكثر توقيعا على الاتفاقات التجارية مع أوروبا والحفاظ على استقلال بلاده. لان التجارة في عهد سابق كانت تعرف فوضى.

في 1828 م قررت البندقية التابعة للإمبراطورية النمساوية، التوقف عن دفع الجزية للقراصنة المغاربة للسماح لسفنها بالإبحار بسلام في البحر المتوسط، وكان القراصنة المغاربة يهاجمون السفن في البحر المتوسط التابعة للدول الغربية التي لا تدفع جزية للقراصنة لقاء مرورهم بسلام.

فقام القراصنة المغاربة بمهاجمة السفن التي ترفع علم النمسا، وردا على ذلك قام الأسطول النمساوي، في 1829 م، بدك الموانئ المغربية ليقع المغرب في اشتباك مع البريطانيين والنمساويين في منطقة طنجة وأصيلة و تطوان.

أدرك مولاي عبد الرحمان أن الإصلاح، لا يتم في حالة تطويق دولي، فلجأ إلى حماية انكلترا، وبالفعل طيلة خمسين سنة من 1830 م إلى 1880م لعبت انجلترا تلك الورقة و دافعت بقوة عن استقلال المغرب ووحدة أراضيه، إلا أن السياسة الانجليزية كانت متناقضة، تدافع من جهة عن سلطة المخزن و من جهة تطالب بإصلاحات تؤدي حتما، في الظروف القائمة آنذاك إلى إفراغ تلك السلطة من كل محتوى .

سنة 1832م قام بإعادة بناء مدينة مزاغان المهدومة و إعادة تسميتها بمدينة الجديدة. لكن المستجدات السياسية المحلية والدولية جعلت هذا السلطان يخوض غمار تجربة حربية، معركة أيسلي مع فرنسا التي أفقدت المغرب هيبته التي اكتسبها منذ معركة واد المخازن 1578م.

و في نفس السنة، أي عام 1832 بعث الملك الفرنسي بعثة دبلوماسية إلى المغرب تحت قيادة تشارلز إدغار دي مورناي إلى السلطان لإبلاغه بنية عقد اتفاق سلام قريبا، وكان من المعتاد في ذلك الوقت أن يرافق البعثة فنانا لتخليد الأحداث في الرسومات واللوحات.

عرضت عشيقة دي مورناي على أوجين ديلاكروا مرافقة البعثة الفرنسية، فقبل بالعرض في يناير 1832 وكانت تلك أول رحلة يقوم بها في حياته .

بدأت الرحلة من فرنسا ثم عرفت توقفا قصيرا في الأندلس ثم طنجة، وانتهت أخيرا في مارس في مكناس حيث يوجد مقر السلطان.

عمل أبراهام بنشيمول كمترجم في اللقاء حيث خول له عمله كتاجر معرفة عدة لغات كالفرنسية.

2_ ابراهام بنشيمول


هو من اليهود المغاربة بمدينة طنجة، كان ترجمانا بقنصلية فرنسا بطنجة في أوائل القرن 19م، مخلفا أباه (موشي بنشيمول) في هذه الوظيفة، والتي مارسها من 1805م إلى حدود 1813م، وشارك ابراهام بصورة فعالة في المفاوضات المغربية الفرنسية التي أفضت إلى اتفاقية (اسلي ) الحدودية المبرمة سنة 1844م، و قال عنه الباحث لاريدو :
" ابراهام بنشيمول منحه السلطان مولاي عبد الرحمن العلوي ظهير التوقير اعترافا بالخدمات التي أداها للمغرب، و عندما أحيل على التقاعد، عينه السلطان أمينا مديرا لجمارك طنجة، وقد خلفه في مهام الترجمة بطنجة ولداه (موشي و حاييم ) اللذان حصلا على الحماية الفرنسية مدى الحياة عام 1863م، و ذلك في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن العلوي".



شكل المغرب عبر التاريخ فضاء جذب للكثير من الوافدين عليه، فهناك من اتخذه محطة انطلاق نحو فضاءات أخرى، وهناك من فضل الإقامة فيه. وتحتفظ ذاكرة أزقة ومقاهي وفنادق أشهر المدن المغربية، مثل طنجة، ومراكش، و فاس، و الصويرة، بسجلات كاملة عن العديدة من الشخصيات .

3- من هو أوجين ديلاكرو؟

أوجين ديلاكروا رسام فرنسي ولد لأسرة بورجوازية عريقة في منطقة سان موريس بالقرب من باريس. كان أبوه شارل ديلاكروا وزير خارجية أسبق، ثم أصبح محافظ مدينة مرسيليا، ومن بعدها بوردو. بعد وفاة أبيه في عام 1805 م، انتقلت العائلة إلى باريس، وتوفيت أمه فيها في عام 1814 تاركة الأسرة في وضعٍ مالي صعب. قدمه قريب له إلى مصور الفرنسي، فقام الفتى حينها ينسخ أعمال أساتذة اللوفر العظام، خصوصا لوحات رافايلو، وروبنس. ودرس في الوقت نفسه أعمال المصور الإسباني غويا واهتم بما تقدمه الطباعة الحجرية ليفيد من إمكاناتها.

 II- أوجين ديلاكروا أول رسام في المغرب




وطأت أقدام دولا كروا أرض المغرب في 25 يناير 1832م، و لم تكد ثلاثة أشهر تمضي على وصوله حتى صار متيما بأرضها، ويؤكد ذلك أنه أرسل إلى شقيقه خطابا قال له فيه: "وداعا، أخي الطيب، الإفريقي يرسل لك محبته…".

قضى ديلاكروا ستة أشهر في المغرب كان إنتاجه فيها من اللوحات غزيرا. كانت تلك اللوحات تمثل الروح المغربية والبيئة العربية الثائرة. وفي تلك الأشهر الست، غدا المغرب جزءا من حياة ديلاكروا، إذ نجده تسلح بفرشاته لجمع وتسجيل كل ما وقعت عليه عيناه من ألوان وأزياء واحتفالات ومناظر طبيعية بتفاصيلها الدقيقة.

كانت سنة 1830 محطة حاسمة في تاريخ منطقة شمال إفريقيا، إذ تمكنت فرنسا من إحكام قبضتها على الجزائر. وبما أن المغرب كان جارا مزعجا، ولأن السلطان عبد الرحمان كان قد أفصح عن نيته في أن يتجاوز الحدود ويخوض حربا ضد المحتل، فإن فرنسا فكرت في إرسال وفد إلى المغرب لإبرام معاهدة حسن جوار. وأوكلت رئاسة هذا الوفد إلى الكونت دو مورناي، الذي كان ديبلوماسيا شابا وذا ثقافة عالية ومعروفا بارتياده الوسط الفني والثقافي في العاصمة الفرنسية باريس.

كان الكونت دو مورناي، تعرف على أوجين ديلاكروا في واحدة من تلك اللقاءات، واقترح عليه بدوره بعد عشيقته الانضمام إلى الوفد، الذي سيبحر إلى المغرب.

في 11 يناير من عام 1832، أبحر ديلا كروا من ميناء تولون على متن السفينة الحربية لابيرل "
la perle" قاصدا ميناء طنجة، الذي وصلها في 24 فبراير من السنة ذاتها. ولبث الفنان في طنجة إلي حدود 5 مارس، وهو التاريخ الذي سيشهد انتقاله بمعية الوفد الذي كان يقوده الأمين البياز وزير الشؤون الخارجية المغربي، آنذاك إلى مكناس للقاء السلطان مولاي عبد الرحمان.

III_وصول البعثة الفرنسية


وصلت القرفاطة إلى طنجة يوم 24 يناير، وبالتالي وصول" Delacroix" إلى المدينة يجعل له أول لوحة مائية على متن السفينة "La perle"  رسم الجبال وجدران المدينة باللون الأبيض.

وبعد وصوله بيوم واحد أي يوم 25 يناير كتب رسالة إلى جان باب تيست بريت، حتى يشاركه مشاعره :


- "لقد ذهبت للتو إلى المدينة أنا مندهش من كل ما رأيت لا أريد أن أترك هذه الأشياء أن تمر دون تدوينها
و دون التعبير عن دهشتي من كل الأشياء".
وقال حينها:



« Je viens de parcourir la ville. […] Je suis tout étourdi de tout ce que

j’ai vu. Je ne veux pas laisser partir le courrier, qui va tout à l’heure à

Gibraltar, sans te faire part de mon étonnement de toutes les choses que j’ai

vues. Nous avons débarqué au milieu du peuple le plus étrange. Le pacha de

la ville nous a reçus au milieu de ses soldats. Il faudrait avoir vingt ras et

quarante-huit heures par journée pour faire passablement et donner une idée de tout cela. Les Juives sont admirables. Je crains qu’il soit difficile d’en faire autre chose que de les peindre : ce sont des perles d’Eden. Notre

réception a été des plus brillantes pour le lieu. On nous a régalés d’une

musique militaire des plus bizarres. Je suis dans ce moment comme un

homme qui rêve et qui voit des choses qu’il craint de lui voir échapper. »

" Me voici, après une fort longue et fatigante traversée, dans un pays

bien nouveau et abondant en pittoresque. Il faudrait bien du séjour ici pour rendre mieux une faible partie de ce qu’on y voit de remarquable et

d’étrange".




ظلت البعثة مُصلبة ومتوقفة لعدة أسابيع في طنجة بسبب رمضان من جهة، ابتداء من 4 فبراير، ولأسباب أخرى  تتعلق بظروف السلطان، في انتظار إشارة الاستقبال والتوقيع على المعاهدة . ليغادر الوفد وديلاكروا إلى مكناس يوم 21 فبراير في قافلة، وقد وصولوا يوم 5 مارس بعد توقفات في مخيمات عدة.
سيقيم ديلا كروا في مدينة مكناس مدة أسبوعين، وسيغادرها إلى طنجة، التي سيقيم بها من 10 أبريل إلى 15 ماي، وهو التاريخ الذي سوف يشهد رحلة جديدة إلى إسبانيا استغرق خلال السفر 15 يوما، عاد إثرها إلى طنجة في فاتح يونيو ليغادرها يوم 12 من الشهر ذاته بصفة نهائية.

 IV- زفاف يهودي بعيون ديلاكروا ودهشته من سحر المغرب


تبدأ يوميات الرحلة، التي وثقها ديلا كروا في لوحاته، في 26 من فبراير 1832م بزيارة باشا طنجة. ولعل أكثر ما يثير الانتباه في هذا الصدد هو العناية الفائقة التي يوليها لوصف الفضاء والشخوص التي تؤثثه، فهو يصف مدخل القصر والجنود والجارية السوداء، التي كانت تعد الشاي، علاوة على الملابس التي كان يرتديها الباشا وابنه وموظف الجمارك، والرجل الوسيم ذي الكمين الأخضرين، والحديقة الغناء بأشجارها المثمرة وقصر الباشا بتفاصيله الدقيقة والسيدة اليهودية والزنجي، الذي لفت مورناي انتباه ديلاكروا إليه، والذي يتميز بطريقته الخاصة في ارتداء الحائك، وبرع في تصوير العلاقة الحميمة بين العربي وحصانه، وسرعان ما أصبحت مجموعة اللوحات، التي سجلتها ريشة الفنان، والتي تعدت المائة لوحة، تعبيرا عن الكيفية التي ينظر بها العربي إلى الخيول وإلى حياته.
سجل ديلا كروا لحظات خالدة من مغرب القرن التاسع عشر، من خلال لوحات تتسم بعمقها الإنساني وشاعريتها، التي تشعرنا بالحدود القصوى التي استشرفتها ألفة الفنان مع الفضاء وناسه، وعبر عن قدرته على أن يتخلص من النزعة الاستعمارية، التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
في 21 فبراير تمكن ديلا كروا من حضور حفل زفاف يهودي في طنجة. بطريقة مميزة لموقفه أثناء الإقامة، رسم الفنان على الفور ما لاحظه (ولا سيما العروس، وغياب العريس بالفعل عن اللوحة) وسجل تفاصيل المهرجان وبداياته. سيعرض المشهد في الفناء الداخلي لمنزل في طنجة (المنزل الذي وقع فيه حفل الزفاف) رغم عرضه للوحة بعد ذلك بسنوات إلا انه رسمها بدقة. و يتجلى ذلك من خلال مقارنة مجموعة متنوعة من المواقف والأزياء مع الصرامة المعمارية للفضاء تتخللها رؤوس مائلة وأفقية ورأسية.

وكتب عن الحفل وصفا مختصرا في دفتر ملاحظاته:


رُسِمت اللوحة في عام 1839 بناء على مجموعة كتب، ملاحظات، ورسومات دونها الفنان خلال رحلة سابقة له إلى المغرب والجزائر دامت بضع سنوات، وهي واحدة من أفضل الأمثلة المعروفة على الإطلاق. للاستشراق يُحتفظ باللوحة الآن في متحف اللوفر. 




قد رسم لوحة «عرس شرقي في المغرب» التي نقل فيها تفاصيل ومظاهر الاحتفال الشعبي لزفاف ابنة ثري مغربي وسط المحتفلين بالعرس من عازف الكمان وضارب الدف والمنشد، والنساء اللاتي يبتهجن بالعرس بالرقص والتصفيق، وقد أذهله حركة أجساد النساء وهو ما يُعرف بالرقص الشرقي.

ونقط التحوّل الرئيسية في حياة الرسام بدأت فعلياً برسم لوحة "السلطان في مكناس" وهو يستقبل الكونت دى مورناي فيما يمتطي السلطان جواده المهيب بأنفة الفارس العربي الجموح، من خلال الأضواء والظلال التي ظهرت بصورة جلية في هذه اللوحة.

لو لم ير ديلاكروا النساء الشرقيات، ما كان ليتصور كلياً ماهية الشرق الحقيقية في أكثر عناصره غموضاً، وخفية وسحراً.

وحال عودته إلى فرنسا بدأ يرسم لوحاته الشرقية، معتمداً على الكثير من الرسوم التمهيدية، والتخطيطات التي تظهر داخل البيوت الشرقية بما فيها من زينة ولوازم.

نساء جالسات أو شبه مستلقيات على السجاجيد! بأشكال مختلفة وأحاسيس متنوعة عبقاً وحزناً وجمالاً... وللتعبير عن رقة الجمال بصورة متكاملة وحيوية، عمد ديلاكروا إلى استخدام لعبة الضوء والظل بالشكل المناسب لإظهار مكامن الأنوثة والأناقة معاً.

فقد جدّد فنه بالكامل إثر هذه الزيارة، بل أنها بعثت روح الرسم في أعماقه بعد أن نضبت ريشته في فرنسا، فأراد أن يعبّر عن واقع جيد في طور الاكتشاف والذوق.

اجتذبت شمس المغرب العديد من الرسامين والمصورين العالميين الذين سافروا إليها، مثل: ماتيس، بول كلي، كاندينسكي، وآخرين، وكان ديلا كروا أول فنان أوروبي يتذوّق فنون الشرق العربي والإسلامي، ويتأثر بها.

وتُعد رحلة الرسام الشهيرة إلى المغرب في عام 1832 م محطة فاصلة في التفاعل بين الشرق والغرب، حيث اعتبرها أندريه مالرو نقطة انعطاف في التصوير الفرنسي، وبداية التحول من الرومانسية الاستشراقية إلى بدايات الانطباعية.
 
لوحات الرسام دولاكروا


_ دهشة اوجين بسحر وجمال المغرب وطلاء اللون الأبيض

حين فتح مترجم الوفد الفرنسي، أبراهام بنشمول ، الأبواب، مدفوعة بفضول حقيقي بشكل خاص حول يهود المغرب، وصف ديلا كروا بإسهاب هذا العرس اليهودي، ونقل الحركات الموسيقية بالنشاز المرهق، وحركات الرقص، والألوان التي صاحبت الاحتفالات التي تناقضت مع برودة الأوربيين إلى حد تعبيره كما ذكر ذلك في مجلة لو ماجا سين بيتوريسك في يناير 1842م.
ساعدت تجربة حفل زفاف طنجة تطوير العمل الذي يتطلب نسخه المصوَّر Delacroix مما ساهم في نضج منهجه من حيث الألوان التي كانت مدروسة بشكل صحيح في الرسم، في تلك اللمسات الإبداعية الصغيرة ذات الألوان النقية التي وضعها عند إقامته في المغرب، و قد تعززت في حدسه تضامن الضوء واللون غير القابل للذوبان، في انعكاس ناجع، درس منهجه بالشراكة مع متحف الفن وتاريخ اليهودية.
في الرحلة التمهيدية التي قام بها أوجين ديلاكروا مع البعثة الفرنسية، بقيادة لكونت تشارلز دي مورناي، والذي جاء للتفاوض في مشاكل الحدود المغربية مع مولاي عبد الرحمن . تطرق الرسام إلى جميع جوانب الرحلة عام 1832 م ابتداء من الإقامة في طنجة، إلى اكتشاف العاصمة الإمبراطورية مكناس، وبعدها إلى الأندلس مع زيارة قادس واشبيلية، ثم محطات التوقف في الجزائر وهران والجزائر العاصمة، مصحوبة بمعلومات المستندات المنشورة والأصلية.

يوم بعد يوم، نتابع ديلاكروا ونحن نشاركه عواطفه، و نرى الرسام يعبر بريشته مايكتشفه في مشاهد متنوعة، يدون الملاحظات والتفاصيل، ويؤلف مختارات نادرة استثنائية من شأنها أن تغني إنتاجه الفني بعد عودته إلى باريس. 

V- رواق ديلاكروا في طنجة


فضاءات طنجة التي تحمل أسماء مصوِّرين عالميين برواق ديلا كروا مابين E. De Lacroix (1798- 1863) المختص في العرض التشكيلي، وهو تابع للمعهد الثقافي الفرنسي بالمدينة. زار الأندلس والجزائر والمغرب (مكناس، طنجة) وعمره لا يتجاوز 34 سنة، وذلك ضمن بعثة فرنسية رسمية حلت بالمغرب شارل يتقدمها لكونت دومورناي Le Comte Charles De Mornay المكلف من قبل لويس فيليب Louis Phillipe بالتفاوض مع السلطان مولاي عبد الرحمان، كان مرفوقا بصديقه دوموزناي الذي تقاسم معه هذه الرحلة على متن سفينة اللؤلؤ، وهي الرحلة التي كان يحكي تفاصيلها في مدوناته التي كان يبعثها لصديقه بيير غيليرمارد..
وبعد أن استقر ديلاكروا بالمغرب واندمج مع ساكنة الشمال بفضل المساعدات التي قدمها له أبراهام بنشيمول ترجمان قنصلية فرنسا بطنجة، رسم عددا هائلا من التخطيطات والرسوم التحضيرية Esquisses والمائيات (أو اللونمات Aquarelles) التي تجسد مظاهر الحياة اليومية المغربية: الأعراس التقليدية، الأسواق الشعبية التي تفوح برائحة التوابل، السجاد المزركشة، الجياد العربية الأصيلة، السيوف اللامعة، النحاسيات البراقة، الرجال بجلابيبهم وعمائمهم الملتفة حول رؤوسهم، النساء بحنائهن وقفاطينهن المزوقة بالتطاريز المغربية الرائعة.. إلخ.
هذه المنجزات الإبداعية، تم تجميعها في كتاب أنيق يحمل اسم: "مغرب ديلا كروا” "Le Maroc de Delacroix، إلى جانب مذكرة Calepin التي توجد في ملكية قصر شانتي Chantilly، وتضم مجموعة من الأعمال التصويرية ذات الطابع الاستشراقي .

زيارته إلى المغرب وتعلمه لفنون أخرى أعطته الفرصة للقيام بمشروعات زخرفية للقصور والكنائس في فرنسا ما بين 1844- 1856 م، حيث كُلف بزخرفة قاعات في قصور بوربون ولوكسمبورج واللوفر وفي كنيسة القديس سلبيس. واعتبره المثقفون شخصية محورية هامة في الفن كما أثنى عليه الشاعر الكاتب بودلير لأنه فتح لهم آفاق حلم جديد، وهو الشرق بكل ما يزخر به من فنون وأفكار وحضارات.

تلك الأشهر الستة التي مكث فيها بالمغرب، غدت جزءا من حياة ديلاكروا فنجده قد تسلح بفرشاته لجمع و تسجيل كل ما وقعت عليه عيناه من ألوان و أزياء و احتفالات و مناظر طبيعية بتفاصيلها الدقيقة. و برع في تصوير العلاقة الحميمة بين العربي و حصانه. ولكن ككل الأشخاص المفرطين في الرومانسية سرعان ما تحول موقفه إلى النقيض  و بدأ يفكر في العودة إلى فرنسا. ظن أن بعودته والابتعاد عن المغرب، ستصبح لوحاته كالأشجار المنزوعة من جذورها و تفقد معناها و تغدو مجرد رسوم و ألوان لا تحمل في طياتها الروح الإفريقية. ولكن مخاوفه ذهبت أدراج الرياح، فسرعان ما أصبحت مجموعة اللوحات التي سجلتها ريشتة،محط اهتمام، وخاصة التي عبر بها عن الخيول العربية.
رغم أنه لم يكن يوما مدربا للخيول ولا فارسا ، و لكنه كان ينظر إلى الخيل من وجهة نظر العرب إليها، فهم يعتبرونها فردا من العائلة ولها بالنسبة لهم دلالات روحانية و دينية عديدة...استطاع أن يتوغل إلى أعماقهم بحسه الفني، وأن يرسم لمعنى الخيول في حياة العرب، و بذلك اختلف تصويره للبيئة العربية عن من سبقه ممن حاول تصوير تلك العلاقة بين العربي وحصانه.
 هناك وثيقة تحكي عن زيارة ديلا كروا لمكان وقوع معركة وادي المخازن يوم 8 مارس حيث تناول الغذاء بضاحية وارور و قبلها توقف بثلاثاء رصانة بعدما كان قد أنطلق من الأحد الغربية رفقة القائد محمد بن عبو.
يوم  9 مارس، وصل الرسام الشهير الى مدينة القصر الكبير، وكان يوم الجمعة، وأقام في بيت الحاج الرميقي وفق نفس المراجع.

وفي مساء نفس اليوم، سيتوجه موكب الرسام نحو وادي الفوارات الواقع في الطريق إلى سوق الأربعاء، حيث سيتعرضون لهجوم _ لم تحدد الوثائق مصدره _ و منها يستمد مشهد لوحة لازالت معروضة لحد الساعة بالمتحف الوطني لواشنطن.
-فن الفانتازيا حسب رؤية الرسام الفرنسي أوجين ديلاكروا
 

وقد دَوَّن ما شاهده في مذكراته الشخصية، حسب نظرية مفسرة للفرنسي أندري لانلي، أن أوجين ديلاكروا أطلق اسم فانتازيا على استعراضات الفروسية في لوحاته.

رسم لوحة مائية موجودة حاليا في متحف اللوفر، تحمل نفس الإسم "fantasia" تصور الاستعراضات التي شهدها، لعب البارود، أمام باب مدخل مدينة مكناس. رسم بعدها ثلاث لوحات حول نفس التيمة وهي: مناورات عسكرية للمغاربة أو فنتازيا مغربية 1832م، والمتواجدة حاليا في متحف فابر فيموتيولي، وفانتازيا عربية 1833م، المحفوظة في معهد شتيدل للفن في فرانكفورت. 

اختزل خلال رحلته مجموعة من الأحداث ابتداء من طنجة والعرس الذي رسمه، وأطلق عليه اسم "العرس اليهودي " مع تدوين ملاحظته بمراقبة التدريبات التعبدية "لعيساوة" الفرقة الأولى من المتعصبين و الثانية من الطائفة المسلمة من عيساوة، بينما كانوا يحتشدون في شوارع طنجة .

فكانت طنجة مكانا اجتماعيا هاما لمعتقدين بممارسة عيساوة والدراويش الذين كانوا فقراء رمزا للزهد والعفة، ينتقلون من من بلدة الى أخرى طلبا للصدقات في أوقات معينة من السنة، ينخرطون في الصلاة والرقص في حالات مشحونة بالعطف.

هكذا كانت رحلة الرسام ديلاكروا في المغرب، وهذا ماوثقه التاريخ له، وهذا ما بصمته ريشته وفنه على لوحاته الذهبية، ظلت أعماله خالدة بخلود الإنسان ومازالت ترصد الزمن وتحفظ الذاكرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي موناليزا الشمال الهولندي

لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي المقدمة: لوحة الفتاة القرط اللؤلؤي من أشهر اللوحات الفنية في عالم الفن التي رسمها الفنان الهولندي يوهانس فيرمي...