الأربعاء، 28 مايو 2025

أحمد المجاطي وظاهرة الشعر الحديث: من رصد التحول إلى بناء الرؤية

أحمد المجاطي
شاعر العرب أحمد المجاطي



مقدمة


في عالم الشعر العربي الحديث، برزت أسماء نقشت حضورها بخطى واثقة في مسار النقد الأدبي، ومن بين هذه الأسماء يسطع نجم أحمد المجاطي، الشاعر والناقد المغربي، الذي ارتبط اسمه ارتباطًا وثيقًا بمرحلة التحول الشعري الكبرى في العالم العربي. فمن خلال كتابه المرجعي "ظاهرة الشعر الحديث"، أسس لرؤية نقدية دقيقة تتبعت نشوء الحداثة الشعرية، وفككت بنياتها الجمالية والفكرية. في هذا المقال، نتناول سيرة هذا المفكر، ونتعمق في أبرز أطروحاته النقدية، كما نستعرض مكانته في الذكرى التي خلّدها الكاتب نجيب العوفي.


نبذة عن حياة أحمد المجاطي




يعد احمد المجاطي من ابرز الأسماء التي أثرت في الشعر العربي الحديث، خصوصا من خلال كتابه الشهير ظاهرة الشعر الحديث الذي يعتبر من اهم المراجع النقدية التي درست التحول في الشعر العربي من التقليد الى الحداثة




وُلد أحمد المجاطي الإدريسي سنة 1936 بمدينة فاس المغربية، وتدرّج في سلك التعليم إلى أن حصل على دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي. عمل أستاذًا جامعيًا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وكان أحد الفاعلين البارزين في الحقل الثقافي المغربي، جمع بين الإبداع الشعري والنقد الأدبي، كما شغل مناصب تربوية وثقافية مهمة.
توفي سنة 1995، تاركًا وراءه إرثًا فكريًا وشعريًا لا يزال يُستحضر في كل حديث عن الحداثة الشعرية المغربية والعربية.


ما هي ظاهرة الشعر الحديث عند أحمد المجاطي؟



يُقصد بـ"ظاهرة الشعر الحديث" لدى المجاطي التحول الجذري الذي طرأ على بنية الشعر العربي مع منتصف القرن العشرين، سواء على مستوى الشكل أو المضمون. فهو لا يتعامل مع هذا التغير كمسألة جمالية فقط، بل كـتحول فكري وحضاري جاء كرد فعل على الأزمات السياسية والاجتماعية، وخاصة نكبة فلسطين، وسقوط الحلم القومي، والانكسارات المتتالية التي عصفت بالوجدان العربي.


يرى المجاطي أن الشعر الحديث وُلد من معاناة وجودية وتاريخية، وأنه حمل هموم الإنسان العربي الحديث، معبّرًا عنها بلغة جديدة ورؤية مغايرة تجاوزت الخطاب التقليدي والزخرفي.


ماذا يتحدث عنه كتاب "ظاهرة الشعر الحديث"؟



يُعدّ كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" من أهم الدراسات النقدية في الأدب العربي المعاصر، صدر سنة 1976، وهو عمل أكاديمي رصين يُعالج ظاهرة التجديد الشعري من حيث السياق التاريخي والاجتماعي والفني.
ينقسم الكتاب إلى فصول تتناول:


تحديد المفاهيم المرتبطة بالتجديد.


الشعر المهجري وتأثيره في الاتجاه الجديد.


الشعراء الرّواد: كأدونيس، السيّاب، نازك الملائكة، وصلاح عبد الصبور.

الشعر الحر ومدى مشروعيته الجمالية والفكرية.


يركّز المجاطي على أن التحول في الشعر العربي لم يكن مجرّد تقليد للغرب، بل كان نابعًا من حاجة داخلية للتعبير عن التحولات الوجودية والحضارية.


ما هي قيمة كتاب "ظاهرة الشعر الحديث"؟



تتجلى قيمة هذا الكتاب في كونه:

مرجعًا أكاديميًا معتمدًا في الجامعات والمعاهد.

يعالج الظاهرة من زاوية نقدية علمية دون انبهار أو تحامل.

يُزاوج بين التحليل الفني والقراءة التاريخية.

يُقدم مفاتيح لفهم تطور الشعر العربي الحديث عبر المقارنة بين القديم والجديد.

يُنصف الشعراء الرواد ويمنحهم مكانة فكرية لا تنفصل عن واقعهم السياسي.


ما هي "ظاهرة الشعر الحديث" عمومًا؟



هي مصطلح يُطلق على التحول الذي شهده الشعر العربي في القرن العشرين، مع بروز قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر، وانتقال الشاعر من الوظيفة الغنائية التقليدية إلى الوظيفة التعبيرية والفكرية.
تميزت هذه الظاهرة بـ:

التحرر من نظام القافية الواحدة.

استخدام التفعيلة بدل البيت الشعري.

تناول مواضيع الاغتراب، التمرد، الهزيمة، الذات المهزوزة.

استلهام الأساطير والتراث بأساليب جديدة.


ماذا كتب نجيب العوفي في ذكرى الشاعر المجاطي؟



في ذكرى أحمد المجاطي، كتب الناقد المغربي نجيب العوفي نصًا يفيض بالوفاء والتقدير، اعتبر فيه المجاطي "ضميرًا نقديًا ووجدانيًا" لمغرب السبعينيات والثمانينيات، وأنه ظل وفيا لقضايا الإنسان والحرية والكرامة.


أشاد العوفي بكتاب "ظاهرة الشعر الحديث" واعتبره من أبرز ما كُتب في النقد الأدبي بالمغرب، كما وصف المجاطي بأنه لم يكن ناقدًا فقط، بل كان شاعرًا يتحسس بنية الشعر من داخله.

خاتمة:

إن الحديث عن أحمد المجاطي هو حديث عن مرحلة فكرية ونقدية مفصلية في مسار الأدب العربي الحديث، فقد امتلك المجاطي حسًّا نقديًا فذًا جعله يُلامس جوهر التحول الشعري، ويؤسس لرؤية لا تزال راهنيتها قائمة. ومن خلال "ظاهرة الشعر الحديث"، أنار دروب الفهم أمام الباحثين والشعراء على السواء، مقدّمًا نموذجًا للمثقف العضوي الذي جمع بين حسّ الشاعر وصرامة الناقد، بين الحلم القومي والوعي النقدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق