المقدمة
شهد الشعر العربي الحديث تحوّلًا عميقًا في بنيته ورؤيته للعالم، إذ لم يعد الشاعر يعبّر عن قضاياه تعبيرًا مباشرًا، بل لجأ إلى وسائل فنية جديدة أكثر عمقًا وإيحاءً، من أبرزها الرمز والأسطورة. وقد خصّ أحمد المجاطي الفصل الثاني من كتابه «ظاهرة الشعر الحديث» لبيان دور هذه العناصر في تجديد الرؤيا الشعرية، وجعل القصيدة الحديثة أكثر قدرة على احتواء هموم الإنسان العربي المعاصر.
المحور الأول: مفهوم الرمز ودلالته في الشعر الحديث
يُعد الرمز من أبرز تقنيات التعبير في الشعر الحديث، إذ يتجاوز معناه الظاهري ليحمل دلالات عميقة ومتعددة. وقد استخدمه الشعراء للتعبير عن القهر، والاغتراب، والأمل، والانبعاث، بعيدًا عن الخطاب المباشر.
فالـموت يرمز إلى الهزيمة والجمود، بينما يدل البعث على الأمل والتجدد، في حين ترمز المدينة إلى القسوة وضياع الإنسان داخل الحضارة المادية، وتُحيل الطبيعة إلى الخصب والحياة والتطهر. وهكذا أصبح الرمز أداة فنية لتكثيف التجربة الشعرية وتعميق أبعادها الدلالية.
المحور الثاني: الأسطورة ووظيفتها التعبيرية
استلهم الشعراء العرب المحدثون الأساطير القديمة لما تحمله من طاقة رمزية قادرة على التعبير عن المأساة الإنسانية والواقع العربي. ومن أبرز هذه الأساطير أسطورة تموز التي ترمز إلى الموت والانبعاث، وأسطورة عشتار الدالة على الخصب والحياة، إضافة إلى أسطورة سيزيف التي تجسد المعاناة والعبث، وطائر الفينيق الذي يرمز إلى التجدد بعد الاحتراق.
وقد مكّنت الأسطورة الشاعر الحديث من ربط واقعه المحلي بتجربة إنسانية كونية، ومنح القصيدة بعدًا حضاريًا وفلسفيًا.
المحور الثالث: قيمة الرمز والأسطورة في تجديد الرؤيا الشعرية
ساهم توظيف الرمز والأسطورة في تجديد الرؤيا الشعرية من خلال الانتقال من التعبير الفردي المباشر إلى التعبير الجماعي العميق. فقد أصبحت القصيدة الحديثة فضاءً للتأمل في مصير الإنسان والأمة، كما أتاحت هذه التقنيات للشاعر أن يعبّر عن الرفض والثورة والأمل بأسلوب فني موحٍ، يفتح النص على تعدد القراءات ويمنحه بعدًا جماليًا وفكريًا.
اقرأ ايضا: مؤلف" ظاهرة الشعر الحديث" وفصوله الأربعة (4)
-تلخيص مؤلف ظاهرة الشعر الحديث _الجزء الثالث
الخاتمة
يتضح من خلال الفصل الثاني من «ظاهرة الشعر الحديث» أن الرمز والأسطورة لم يكونا مجرد زخرفة فنية، بل شكّلا جوهر التجديد في الشعر العربي الحديث، وأسهمَا في بناء رؤيا شعرية جديدة أكثر عمقًا وارتباطًا بالواقع الإنساني. وبهذا استطاع الشاعر الحديث أن يجعل من قصيدته وسيلة فاعلة للتعبير عن آلام الأمة وآمالها في الانبعاث والتغيير.

