نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الخميس، 8 مايو 2025

عبد الفتاح كيليطو: ناقد الأدب المغربي الذي أعاد صياغة علاقتنا بالتراث والسرد


كيليطو
أشهر كاتب وناقد مغربي


مقدمة:


عبد الفتاح كيليطو: ناقد الأدب المغربي الذي أعاد صياغة علاقتنا بالتراث والسرد
في المشهد الثقافي المغربي، يبرز اسم عبد الفتاح كيليطو بوصفه أحد أعمدة النقد المعاصر، لا من حيث غزارة الإنتاج فحسب، بل من حيث فرادة الرؤية وعمق التناول. فهو ليس مجرّد ناقد أدبي، بل مفكر في ماهية الحكاية والهوية واللغة، سعى طوال مسيرته إلى تفكيك العلاقات المعقدة بين التراث العربي الكلاسيكي والحداثة الغربية.


من هو عبد الفتاح كيليطو؟



وُلد عبد الفتاح كيليطو في الرباط سنة 1945، 
 من أشهر الكتاب والنقاد المغاربة 
وتلقى تعليمه بين المدرسة المغربية والفرنكوفونية، الأمر الذي جعله منذ البداية ابن تلاقي ثقافتين: العربية والفرنسية. حصل على الدكتوراه من جامعة باريس، ودرّس الأدب الفرنسي والمقارن في جامعة محمد الخامس بالرباط، لكن ما يميزه حقًا هو طريقته الخاصة في التفكير والكتابة، والتي تزاوج بين الأسلوب السردي والتأمل الفلسفي.

كيليطو والكتابة عن الأدباء والمفكرين المغاربة



رغم انشغاله في بداياته بقراءة التراث العربي، فإن كيليطو لم ينفصل عن السياق الثقافي المغربي، بل كتب كثيرًا عن الأدباء المغاربة بشكل مباشر أو ضمني. ففي نصوصه نجد إشارات دقيقة لأعمال محمد شكري، الطاهر بنجلون، بنسالم حميش، ومحمد برادة، حيث يتوقف عند طرائقهم في بناء السرد، والكتابة عن الذات، والبحث عن هوية في قلب التحولات.


كما أنه لا ينظر إلى الكاتب المغربي بمعزل عن الإرث العربي والإسلامي، بل يربطه بأسئلة المعاصرة والتلقي. في كتابه "لن تتكلم لغتي"، مثلًا، يناقش مسألة الهوية اللغوية والانتماء الثقافي، وهي قضايا لطالما شغلت المثقفين المغاربة منذ الاستقلال.

مقاربته النقدية: التراث ليس مجرد ماضياً منقطعاً
اللافت في تجربة كيليطو أنه لا يعالج التراث بوصفه موضوعًا جامدًا، بل يتعامل معه بوصفه سؤالًا مفتوحًا على المعاصرة. فهو يعيد قراءة الجاحظ، والتوحيدي، وابن المقفع، وبنفس الوقت يحاور بورخيس وكافكا وبارت، دون أن يشعر القارئ بانفصال.
يقول في إحدى مقابلاته:

"التراث ليس ما مضى، بل هو ما يُعاد بناؤه باستمرار وفق أسئلة الحاضر".

أبرز مؤلفات عبد الكريم كيليطو

من أبرز كتبه:

"الأدب والغرابة":
الذي يتناول فيه مفهوم الغريب في الأدب العربي.

"الحكاية والتأويل": وفيه يحلل النصوص العربية الكلاسيكية من منظور حديث.

"لن تتكلم لغتي":
يتأمل فيه في العلاقة بين اللغة والسلطة والهُوية.

"العين والإبرة": مقالات تتداخل فيها الحكاية بالتأمل الفلسفي.

كلها كتب تجذب القارئ العادي كما المتخصص، لأنها مكتوبة بأسلوب سلس، وبلغة شاعرية لا تخلو من عمق.

تأثيره في النقد المغربي


لا يمكن اليوم الحديث عن النقد الأدبي المغربي دون استحضار كيليطو، الذي جعل من القراءة فعلًا إبداعيًا، ومن الناقد كاتبًا لا يفسّر فقط، بل يعيد خلق النص.
لقد ألهم أجيالًا من الباحثين والقراء للعودة إلى النصوص العربية بعين جديدة، لا تخضع للتمجيد التقليدي، ولا للقطيعة الجذرية، بل تسعى إلى فهم مركب ومتجدد.


"الأدب والغرابة: دراسات بنيوية في الأدب العربي"

صدر هذا الكتاب في ثمانينيات القرن الماضي، ويُعد من أبرز مؤلفات كيليطو، لأنه مثّل بداية مشروعه النقدي الذي يقارب فيه التراث العربي بعين حديثة.

الفكرة الرئيسية:
يحاول كيليطو في هذا الكتاب كشف "الغرابة" الكامنة في الأدب العربي، أي ما هو غير مألوف أو صادم أو غامض، ويبحث في كيفية استقبال القارئ المعاصر لهذا الأدب، انطلاقًا من أدوات تحليلية حديثة.

أبرز المحاور:
كيف يمكن أن نقرأ نصوصًا قديمة بعين القارئ الحديث دون أن نفقد روحها الأصلية؟

هل التراث الأدبي العربي يفسَّر بطريقة "علمية"، أم أنه بحاجة إلى إعادة تخيُّل؟

يقارن بين السرد العربي القديم (مثل "ألف ليلة وليلة" و"المقامات") والسرد الغربي، ويُبرز اختلافات البنية والتلقي.

خلاصة:
الكتاب دعوة إلى قراءة التراث بعيون نقدية غير مهادِنة، وبأسلوب يزاوج بين التحليل اللغوي والمتعة السردية. وقد ساهم في وضع الأدب العربي ضمن حوار عالمي حول "الكتابة والغرابة".


"العين والإبرة: دراسات في ألف ليلة وليلة"



هذا الكتاب من مؤلفات كيليطو المتأخرة نسبيًا، وهو أكثر شاعرية وتخييلًا من "الأدب والغرابة".
يتناول فيه "ألف ليلة وليلة" كنصّ رمزي معقّد، يتجاوز الحكاية إلى التأمل في فعل السرد نفسه.

العنوان ودلالته:
"العين" ترمز إلى الرؤية والرقابة والتأويل، أما "الإبرة" فهي أداة النسج والحكاية، كناية عن دور شهرزاد في حياكة القصص لإنقاذ حياتها.

أبرز الأفكار:
من هو الراوي الحقيقي في "ألف ليلة وليلة"؟ هل هي شهرزاد، أم شهريار، أم القارئ؟

ماذا تعني الحكاية حين تكون وسيلة للبقاء، لا للتسلية فقط؟

يناقش الفرق بين "الحكاية" و"الرؤية"، ويبرز كيف أن من يروي يملك قوة خفية على من يُروى له.

خلاصة:
الكتاب ليس دراسة أكاديمية جامدة، بل هو تأمل فلسفي وسردي في عمق الحكاية، وفي قدرة النص على إخفاء أكثر مما يُفصح. بأسلوبه المتداخل بين المقال والحكاية، يُثبت كيليطو أن الناقد يمكن أن يكون حكواتيًا أيضًا.

خلاصة عامة:
"الأدب والغرابة" هو كتاب نقدي صارم ينطلق من مفاهيم البنيوية، ويناقش علاقة القارئ الحديث بالتراث العربي.

"العين والإبرة" هو كتاب تأملي وشاعري، يعيد اكتشاف "ألف ليلة وليلة" من خلال رمزية السرد والنجاة.


ماهو المنهج الذي اعتمده عبد الفتاح كيليطو؟



المنهج الذي اعتمده عبد الفتاح كيليطو:
يمكن القول إن كيليطو لا يتبع منهجًا نقديًا واحدًا صارمًا، بل يمزج بين مناهج متعددة بأسلوب ذكي ومرن، لكن هناك ثلاث مرجعيات أساسية تُكوِّن مشروعه:


المنهج البنيوي (Structuralism):


في كتبه الأولى، وخصوصًا "الأدب والغرابة"، يظهر تأثره القوي بالمنهج البنيوي الفرنسي، خاصة بأعمال رولان بارت وتودوروف.
يعتمد في هذا السياق على تحليل بنية النص، وأنساقه الداخلية، دون الالتفات كثيرًا إلى السياق الخارجي أو نوايا المؤلف.


لكنه لا يطبّق البنيوية بشكل جامد، بل يطوّعها لخدمة فهم النصوص العربية القديمة.

المقاربة المقارنة والتناص (Intertextuality):


في كتبه مثل "لن تتكلم لغتي" و**"العين والإبرة"**، يبرز تأثره بمفهوم التناص كما طوّره باختين وكريستيفا.
يقارن النصوص العربية الكلاسيكية بأعمال غربية حديثة (مثل كافكا، بورخيس، وبارت)، ويبحث عن التقاطعات الغامضة والعلاقات الخفية بين الثقافات.

هذا يجعل منه ناقدًا حواريًا، لا يُفكك النص فقط، بل يُجري "حوارًا" بينه وبين نصوص أخرى، عربية وغربية.


منهج التأمل السردي – النقد الحواري:


وهو ما يميز كيليطو حقًا عن غيره.
فهو يستخدم أسلوبًا سرديًا في كتابته النقدية، حتى تكاد كتبه تبدو كأنها حكايات أو مقالات أدبية لا نقدية.

يتجنّب المصطلحات الأكاديمية الجافة.

يعيد الحكاية ويطرح الأسئلة بدل الإجابات.

يجعل القارئ جزءًا من عملية التأويل.

هنا يظهر منهجه الذاتي والتأملي، الذي لا يخضع لمنهج صارم بل يؤسس لمنهج خاص به.

خلاصة القول:
عبد الفتاح كيليطو هو كاتب – ناقد، يستلهم من البنيوية والمقارنة والتناص، لكنه يتجاوزها بأسلوب سردي فلسفي.
هو ناقد يقرأ بعين الحاكي، ويكتب كأنه يروي لا يشرح، مما يجعل منهجَه أقرب إلى "فن التأويل الذكي" منه إلى أي تصنيف مدرسي.


ماهو تمثلات عبد الفتاح كيليطو الكلاسيكية في الثقافة العربية؟



تمثلات عبد الفتاح كيليطو للكلاسيكيات في الثقافة العربية
عبد الفتاح كيليطو لا يتعامل مع الكلاسيكيات (مثل الجاحظ، ابن المقفع، ألف ليلة وليلة، التوحيدي...) كأيقونات مقدّسة أو نصوص متحفية. بل يرى أنها نصوص حية، تحتمل التأويل، وتنتج المعنى باستمرار بحسب زاوية القراءة.

الكلاسيكيات كمساحات للتساؤل لا للتمجيد


كيليطو لا يُمَجِّد الكلاسيكيات باعتبارها إرثًا منزّهًا عن التحليل، بل يطرح أسئلة جذرية حولها:

لماذا نقرأ هذه النصوص اليوم؟

كيف قرأها القدماء، وكيف يمكن أن نعيد قراءتها من موقعنا الحالي؟

ماذا تخفي هذه النصوص من صراعات لغوية أو فكرية أو سلطوية؟

مثال: في قراءته للجاحظ، لا يركّز على بلاغته فقط، بل على حيله السردية وقدرته على المناورة داخل سلطة اللغة.

النص الكلاسيكي كحكاية لا كمصدر حكم


في كثير من كتاباته، يُعامل كيليطو النص الكلاسيكي بوصفه حكاية تتطلب الإصغاء والخيال، لا مجرد نص لغوي يحتاج شرحًا.

مثلًا، في "العين والإبرة"، يتعامل مع "ألف ليلة وليلة" ليس كمصدر تراثي، بل كنموذج سردي معقّد، يتجاوز التسلية إلى مستويات فلسفية وأخلاقية.


الكلاسيكيات والهوية المزدوجة


نظرًا لانتمائه لثقافتين (عربية وفرنسية)، فإن كيليطو كثيرًا ما يرى في الكلاسيكيات مرآةً لصراع الهوية اللغوية والثقافية.

يرى أن العودة إلى التراث ليست انسحابًا من الحداثة، بل محاولة لفهم الذات.

ينتقد من يقرأ الكلاسيكيات ليُثبِت التفوق الحضاري، ويدعو بدل ذلك إلى قراءتها بوصفها نصوصًا بشرية مليئة بالأسئلة.

التناص مع الأدب الغربي

كيليطو لا يقرأ الكلاسيكيات في معزل، بل يضعها دائمًا في حوار مع الأدب العالمي:

يقرأ "الرسائل" للجاحظ بجانب "رسائل كافكا".

يقارن حكايات "ألف ليلة" بتقنيات السرد عند بورخيس.

هو يُعيد إدراج النصوص العربية ضمن مشروع أدبي إنساني كوني، لا تراث محلي فقط.

خلاصة القول:
تمثلات كيليطو للكلاسيكيات في الثقافة العربية تقوم على:

التأويل لا التقديس

الحوار لا العزلة

القراءة المعاصرة لا الاستحضار العاطفي

وهو بذلك يدعونا إلى إعادة اكتشاف تراثنا بعين نقدية وشاعرية في آنٍ معًا، ويمنح النصوص القديمة فرصة جديدة لتُخاطب الحاضر وتغتني به.


 أشهر أقوال عبد الفتاح كيليطو ؟


عبد الفتاح كيليطو ليس ناقدًا فقط، بل هو أيضًا كاتب يمتلك نَفَسًا أدبيًا ولغويًا خاصًا، لذلك فإن أقواله كثيرًا ما تحمل طابعًا تأمليًا وفلسفيًا يجعلها تُقتبس كما تُقرأ الأشعار أو الحكم. إليكِ مجموعة من أشهر أقواله التي تلخص رؤيته للكتابة، والقراءة، والهوية:

أشهر أقوال عبد الفتاح كيليطو:

عن اللغة والهوية:

"أنا أكتب بالعربية، ولكنني أفكر أحيانًا بالفرنسية، فأنا أعيش بين لغتين، لا أنتمي بالكامل إلى واحدة منهما."

"إذا كنتَ تتحدث جميع اللغات، فلن تتكلم أبدًا لغتي."
(عنوان أحد كتبه: "لن تتكلم لغتي")

عن القراءة:

"القراءة ليست فقط بحثًا عن المعنى، إنها أيضًا نوع من الحيرة الجميلة."

"كلما قرأتُ نصًا تراثيًا، شعرتُ وكأنني أكتشفه لأول مرة، كأنه لا ينتمي للماضي، بل للحاضر الذي أعيش فيه."

عن التراث:

"التراث لا يُعاد اكتشافه، بل يُعاد اختراعه."

"ليست المشكلة في أن التراث قديم، بل في الطريقة التي نرغب أن نُبقيه بها ميتًا."


عن الحكاية والكتابة:

"أن تحكي يعني أن تنجو."
(في إشارة إلى شهرزاد، حيث جعل من الحكاية وسيلة للبقاء)

"الكاتب الجيد هو من يُشعِرك أن كل ما تقرؤه جديد، حتى لو قرأته ألف مرة."

عن الناقد والكاتب:

"الناقد ليس من يشرح النصوص، بل من يضيء ما هو غامض فيها، دون أن يدّعي أنه يعرف كل شيء."

"الناقد الذي لا يكتب بروح الكاتب، سيفقد روحه."


حصل الأديب عبد الكريم كيليطو على عدة جوائز:


 المغرب

جائزة المغرب الكبرى 1989.
جائزة الأطلس الكبير 1996.

فرنسا

جائزة الأكاديمية الفرنسية 1996.
جائزة الأكاديمية الفرنسية 2024.

السعودية

 جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب

خاتمة:


يبقى عبد الفتاح كيليطو أحد الوجوه الأكثر تأثيرًا في المشهد الأدبي المغربي والعربي، لأنه ناقد لا يتعامل مع النص كحُكم نهائي، بل كلغز ممتد يتطلب الإصغاء والتأويل. ومن خلال مقاربته للتراث والأدب المغربي، فتح الباب أمام فهم أعمق لذاتنا الثقافية، وساهم في بناء جسر متين بين الماضي والحاضر، بين الشرق والغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حجر القمر وطاقته: أسراره الروحية وفوائده في حياتك اليومية

حجر القمر moon stone مقدمة: في عالم الأحجار الكريمة، يبرز حجر القمر بجاذبيته الساحرة وطاقة فريدة تمس الروح قبل الجسد. لا يُعرف فقط بجماله ا...